مجموعة شبكات بشاير الزراعية الرقمية

"نبروه" عاصمة الفسيخ.. 90 مصنعا تنتج 50 طنا من "الفسيخ" خلال موسم شم النسيم

منذ 7 سنوات
"طوابير ممتدة خارج بعض المحال ورائحة الأسماك تملأ كل الضواحى واختناق مرورى بالعديد من الشوارع مع توسلات من سيدات ورجال منبعثة من المحال المختلفة بسرعة العمل" هذا هو المشهد الأول الذى يراه الزائر فى مدينة نبروه شرق مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية.
 
مدينة نبروه التى تعد الأصغر مساحة بين مدن المحافظة والأقل سكانًا حيث يبلغ تعداد سكانها 5550 نسمة تقريبًا، ويتبعها 14 قرية تبعد عن مدينة المنصورة مسافة 12 كيلومترا، وتشتهر بين مدن ومحافظات مصر بصناعة الأسماك المملحة "الفسيخ"، حيث بدأت تصنيعه وبيعه لسائر المحافظات منذ القرن التاسع عشر.
 
يقول الدكتور محمود عبد الرازق، أستاذ العلوم الإنسانية بكلية الآداب قسم الاجتماع بجامعة المنصورة لـ "اليوم السابع"، إن مدينة نبروه بدأت تصنيع الفسيخ منذ عام 1870م، وازدهرت صناعته بعد الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث استطاعت القوات البريطانية السيطرة بسهولة على مديرية جزيرة الورد فى حينها أو محافظة الدقهلية الآن التى كانت 60% من مساحتها الآن مسطحات مائية.
 
ويضيف "عبد الرازق": "استطاعت القوات البريطانية أثناء الاحتلال السيطرة على الأراضى الزراعية، لحاجة قواتها إلى البذور والأقطان ومحاصيل القمح والأرز فترك معظم السكان المهنة الأصلية للإقليم وهى الزراعة، وتوجهوا للصيد وتمليح الأسماك ومن هنا جاءت شهرة مدينة نبروه فى تصنيع الأسماك المملحة حيث لم يجد أهل هذا المركز الصغير سوى تصنيع الأسماك المملحة كمصدر رزق لهم بعد كساد زراعتهم.
 
ويتسابق الآلاف من أبناء محافظة الدقهلية والمحافظات المجاورة، على شراء الأسماك المملحة "الفسيخ" من مدينة نبروه، لشهرة المدينة فى هذه الصناعة، حيث يبلغ عدد محال بيع وتصنيع الفسيخ بها إلى ما يزيد على 90 محلا ومصنعا، حسب إدارة التموين بنبروه والتابعة لمديرية التموين والتجارة الداخلية بالدقهلية.
 
ويقول أحمد صبرى ممدوح، مفتش بالرقابة التجارية التابعة لإدارة التموين بنبروه: "إن مدينة نبروه أنتجت ما يزيد على 50 طنًا خلال موسم شم النسيم الجارى، فقد كثفت هيئة الرقابة من حملاتها ودورياتها على مصانع الفسيخ، والحملات كانت مكونة من أطباء من الطب البيطرى، وإدارة الصحة، وقمنا بالتفتيش على معظم هذه المصانع، وبلغت كمية ما تم تمليحه والمراقبة عليه 50 طنًا تقريبًا، مسجلة ارتفاع عن العام الماضى 15 طنًا حيث قامت مصانع ومحال بيع الفسيخ بنبروه بتصنيع ما يزيد على 35 طنًا فى العام الماضى.
 
"اليوم السابع" زارت أحد أقدم محال بيع الفسيخ بالمدينة، والذى تم افتتاحه عام 1933م، والذى يحوز على شهرة واسعة بين سكان محافظة الدقهلية، وكانت تصطف بالعديد من طوابير الرجال والسيدات بمقدمة المحل، لشراء الأسماك المملحة مثل "الفسيخ والسردين والملوحة".
 
ويقول جمال اليمانى، 45 سنة، فسخانى: "نحن نعمل فى هذه المهنة منذ أن كنا أطفالاً صغارًا، ورثناها عن أبينا والذى ورثها عن جدنا، والعائلة بكاملها تعمل فى صناعة الفسيخ وتمليحه وبيعه، وهى صنعتنا منذ القدم، ومدينة نبروه تنال شهرة واسعة فى بيع الفسيخ لأن بها العديد من المحال التجارية ومصانع الفسيخ كمصانعى، يوجد بها عمال بخبرة عالية يقومون بتصنيع الأسماك المملحة بشكل جيد ومميز عن باقى المصانع فى أنحاء الجمهورية، لأن الصنعة لها فن وأسرار".
 
وعن أسرار المهنة يقول "اليمانى": "لابد من اختيار كل شىء فى مرحلة تصنيع الفسيخ بعناية فائقة، فمثلاً لابد من اختيار الملح الخشن الجيد، وصناديق خشبية، ولا نستعمل غير الصناديق الخشبية لأن الصناديق المعدنية معرضة للصدأ، والصناديق البلاستيكية تتفاعل مع الملح، ومن ثم يرجع العامل الأهم إلى السمكة، واختيار أفضل أنواع الأسماك لتمليحها، ويكون التمليح وصناعة السمك بغسله جيدًا، والتأكد من سلامة السمكة، ثم وضع الملح فى الخياشيم، ثم وضع السمك بترتيب معين داخل الصناديق، ووضع الملح الخشن بين صفوف السمك بعنايقة فائقة، ووضع الصندوق الخشبى فى بيئة معينة، تحافظ على السمكة وتجعل من تمليحها أمر ميسور وسهل، دون إفسادها.
 
ويتابع مالك مصنع الفسيخ قائلاً: "هناك العديد من المشاهير، فى كل القطاعات تشترى الفسيخ خلال موسم شم النسيم واحتفالات الربيع، من أهمهم الداعية الإسلامى محمد حسان، والكابتن محمد أبو تريكة لاعب الأهلى السابق، والكابتن محمود عبد الرازق شيكابالا لاعب الزمالك، وكبار رجال السياسة والأحزاب، لدرجة أن فى أيام الإنتخابات والمواسم السياسية يبدأ العديد من الساسة بالتوصية على كميات كبيرة من الفسيخ لإهدائها.
 
ويقول الدكتور أحمد سلام، بإدارة الطب الوقائى، بمديرية الصحة بالدقهلية: "المديرية كثفت من حملاتها خلال هذه الأيام، على مصانع ومحال بيع الأسماك المملحة كالفسيخ والسردين والملوحة، لضبط الأسواق، ومنع الغش خاصة أن الأسماك المملحة من السهل غشها وتقديم مأكولات فاسدة للجمهور.
 
ويقول الدكتور محمد فايز أخصائى أمراض الباطنة، بجامعة المنصورة: "إن الفسيخ كطعام ليس له أى فوائد صحية على الإطلاق، وإن أكل الفسيخ يعد مغامرة تمر بسلام كل يوم فى ربوع مصر، فالفسيخ له أضرار منها بسيطة وأخرى بالغة، تبدأ بالتسبب فى ارتفاع ضغط الدم، وزيادة نسبة الأملاح فى الجسم.
 
ويضيف "فايز" حال حدوث الأمران معًا، وهما ارتفاع ضغط الدم، وزيادة نسبة الأملاح فى الجسم، فمن الممكن أن يتطور الأمر ويصل إلى حد ضعف جدران الأوعية الدموية، فيصبح انفجار الأوعية الدموية أمرا وشيكا، وهذا نادرًا ما يحدث، ولكن ما يمكن حدوثه بسهولة ويصل إلى حد الخطورة القصوى هو حدوث تسمم لمتناول الفسيخ، فأثناء تمليحه ينتج ميكروب فى صناديق الاحتفاظ بالفسيخ، هذا الميكروب ينتج أنواعًا من السموم ممكن أن تصيب العضلات بإصابات بسيطة كشعور بالغثيان والكسل، وممكن إصابات خطرة ينتج عن توقف عضلة القلب وصعوبة التنفس، وحال زيادة نسبة السمية فى الميكروب، ويصعب إنقاذ المريض حينها ويسبب ذلك الوفاة السريعة.
 
ومع كل ذلك فطوابير المواطنين الذين تسابقوا للحصول على كميات مختلفة من الفسيخ لا تتوقف خلال هذه الأيام، فتقول دعاء ناصر، 35 سنة، ربة منزل، من محافظة الغربية: "أسافر كل عام أنا وزوجى لمدينة نبروه لشراء الفسيخ، ونشترى كميات كبيرة للعائلة بأكملها، وهذا العام فقط اشترينا 25 كيلو فسيخ، والأسعار متفاوتة بحسب الحجم، فهناك حجم يبلغ سعره 60 جنيهًا، أو 70 جنيهًا، وأغلى حجم وهو الأكبر سعره يصل إلى 95 جنيهًا للكيلو الواحد، وهذه أسعار رخيصة جدًا، مقارنة بأسعار الفسيخ فى محافظتى الغربية.
 
وتابع أن الفسيخ تأثر بارتفاع أسعار الأسماك، حيث إن كيلو السمك العادى، يزن كيلو إلا ربع فسيخ، فيخسر كيلو السمك ربع كيلو من وزنه، أثناء تمليحه، ما يجعل أسعار السمك مرتفعة بشكل أكبر جدًا، عن الأسعار العادية، خاصة أسعار العام الماضى والأعوام القليلة الماضية، كما ارتفعت أسعار المواد المساعدة والداخلة فى التصنيع، والتمليح، حيث ارتفع سعر جوال الملح إلى 25 جنيهًا بعد أن كان بـ9 جنيهات، وارتفع سعر البرميل الخشبى لـ500 جنيه، بعد أن كان 350 جنيهًا، وتبلغ صيانة البرميل 70 جنيهًا.
 
ويقول أحمد وجدى، تاجر، 50 سنة: "الفسيخ من نبروه شبيه بالمربى أو العسل، ولا أشعر بعيد شم النسيم كل عام، إلا إذا أتيت فى هذا الزحام واشتريت لأولادى وأهل بيتى من هذا الفسيخ ورأيت السعادة تغمرهم ومحاولات التخلص من رائحته فى اليد، كل هذه عادات لا نستطيع التخلى عنها أبدًا، مهما قال الأطباء وحذروا من تناول الفسيخ".